الخميس، 24 يوليو 2014

هل قصة سرقة الحجر الأسود حقيقية؟ وما الذي حصل للذي سرقه؟

8 من ذي الحجة 317هـ ـ 15 يناير 930م
تعتبر فرقة القرامطة من ضمن فرق الباطنية الضالة المنحرفة التي اتخذت التشيع شعارًا ومنارًا لتجميع الناس على كفرهم وضلالهم، وأصل تسمية القرامطة يرجع لمؤسس هذه الفرقة وهو «حمدان بن الأشعت» المعروف بحمدان قرمط وذلك لأنه كان قصيرًا سمينًا، وقيل إن قرمط مشتقة من كلمة «قرمتيه» ومعناها الفلاح أو القروي في اللغة الآرامية، وهي تعتبر إحدى فرق المذهب الإسماعيلي الباطني، وقد ساعد على ظهورها ثم انتشارها انشغال الدولة العباسية بمحاربة صاحب الزنج الخبيث الدعيِّ، وقد انقسمت فرقة الإسماعيلية إلى ثلاث شعب وفق مخطط مدروس ومعد سلفًا لإحداث فوضى أخلاقية واجتماعية ودينية عارمة بالأمة الإسلامية، والقرامطة كانت أشد هذه الفرق الثلاثة وأكثرها إفسادًا وضررًا بالأمة خاصة قرامطة البحرين الذين سيطروا على شرق الجزيرة العربية، وجعلوا مدينة «هجر» مركزًا لدعوتهم وخضعت لهم القبائل العربية.
 
أما عن أهم عقائد القرامطة:
1ـ يعتقدون أن العقل قد فاض وظهر عنه النفس الكلية وبمزيج من الاثنين ظهرت جميع المخلوقات.
2ـ إنكار جميع الأنبياء والجنة والنار وجميع الغيبيات، وإسقاط جميع الشرائع وخاصة الحج الذي يعتبرونه وثنية من شعائر الجاهلية.
3ـ يقولون بالتناسخ والحلول والاتحاد وإباحة كل المحرمات.
أخذ قرامطة البحرين على عاتقهم تنفيذ الأفكار والمبادئ التي كانت تحلم بها الإسماعيلية والباطنية العبيدية وهي إيجاد مجتمع يعتبر الدين خرافة والغيبيات كلها منكرة ويرى في اللذة والإباحية الهدف الوحيد لها، وكان القرامطة يعتمدون على قوة السلاح والحرب الشرسة كسبيل وحيد لإقامة دولة الباطنية الملحدة.
كان زعيم قرامطة البحرين رجلاً شديد البطش والبأس، واسمه «أبو سعيد الجنابي» وقد قام بمهاجمة قوافل الحج مرات كثيرة وذلك لهدفين: أولهما السلب والنهب، وثانيهما منع الناس من التوجه لمكة وذلك لإبطال فريضة الحج التي يعتبرها القرامطة زثميو، ولكن رغم هجماته المتكررة على قوافل الحج إلا إن الناس لم ينقطعوا عن قصد الكعبة وأداء الحج، فوسوس له شيطانه أنه طالما الحجر الأسود بالكعبة لن ينقطع الناس عن الزيارة، لذلك قرر الهجوم على مكة وسرقة الحجر الأسود ونقله إلى «هجر» حتى يحج الناس إلى هجر بدلاً من مكة.
هلك أبو سعيد قبل أن يحقق غرضه الشرير، ولكن خلفه ولده أبو طاهر وكان أشد بأسًا وكفرًا وإلحادًا وإجرامًا من أبيه، وقد استغل حادثة الانقلاب التي وقعت على الخليفة العباسي «المقتدر بالله» سنة 317هـ وقرر الهجوم على مكة، وبالفعل في يوم التروية 8 من ذي الحجة سنة 317هـ هجمت القرامطة على حجاج بيت الله وقاموا بمذبحة مروعة بحق الحجيج وقتلوا في رحاب مكة وشعابها وفي جوف الكعبة أكثر من ثلاثين ألفًا، والمجرم الزنديق أبو طاهر جالس على باب الكعبة وينشد قائلاً.
أنـا بالله وبالله أنـا         يخلق الخلق وأفنيهم أنا
ثم قاموا بردم بئر زمزم بجثث القتلى، وقلعوا الحجر الأسود من مكانه، وحملوه معهم إلى «هجر» حيث ظل عندهم طيلة اثنتين وعشرين سنة، ولم يعيدوه إلا بأمر من الخليفة الفاطمي «المنصور»، وللحافظ ابن كثير تعليق نفيس على هذه الحادثة ورد على شبهة ترك الله عز وجل لهؤلاء الكفرة المجرمين يلحدون في الحرم ولم ينتقم منهم كما فعل مع أصحاب الفيل من قبل.
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل قصة سرقة الحجر الأسود حقيقية؟ وما الذي حصل للذي سرقه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم الأخ الفاضل/ س. حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،، فأما عن قصة سرقة الحجر الأسود ونقله فهذه قصة ثابتة قد أثبتها أهل العلم بالتاريخ – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – والطائفة التي قامت بهذا المنكر العظيم هي الطائفة المعروفة بالقرامطة، ولها أسماء عديدة، فمنها الباطنية ومنها الإسماعيلية ومنها الجرمية والبابكية، ولهم أسماء أخرى غير ذلك، وكانت حقيقة مذهبهم أنهم يظهرون أنهم من الروافض الموالين لآل البيت ويبطنون الزندقة والكفر، وكانوا على اتصال ومراسلات بينهم وبين من ينتسب إلى الفاطمية في ذلك الوقت، وكانت بداية نشأتهم من بداية سنة مائتين وثمان وسبعين، ووقع أن اشتد أمرهم واستفحل وتبعهم كثير من الجهلة لأنهم تسربلوا بلباس الموالاة لآل البيت مع إبطان الكفر المحض لأنهم في الحقيقة من الزنادقة الذين لا يؤمنون بدين ولا نبي، فهذا أصل دينهم، ولذلك قيل في حقهم: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، حتى وصل أمرهم إلى أميرهم سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي القُرمطي، وهذا اللئيم ومن معه من هؤلاء الملاحدة دخلوا إلى مكة في ثلاثمائة وسبعة عشر ثم استباحوا الحرم المكي، وذلك في اليوم الثامن (يوم التروية)، وقتلوا الحجيج ونحروهم نحراً، وألحدوا إلحاداً لم يسبق إليه في بلد الله الحرام، وأمر أميرهم الخبيث بنزع أستار الكعبة وأمر بعضهم أن يقوم بكسر ميزابها، فصعد إلى الميزاب ليكسره فوقع على أم رأسه فهلك إلى نار جهنم، فحينئذ كفَّ أميرهم الخبيث عن الميزاب وأمر بكسر الحجر الأسود واقتلاعه من مكانه، وانتزعوه وذهبوا به إلى بلادهم في سنة ثلاثمائة وسبعة عشر، ثم لم يزل عندهم إلى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فمكث غائباً عن موضعه الشريف من البيت ثنتين وعشرين سنة – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – حتى قيض الله جل وعلا من أزال دولتهم كما ستأتي الاشارة إلى ذلك، وكانت هذه الدولة الباطنية من أعظم ما ابتلي به المسلمون في هذا الوقت، واستفحل أمرهم وتملكوا بلاد المغرب وبلاد مصر باسم الدولة الفاطمية وقتلوا خلقاً عظيماً من الناس وأظهروا الكفر والإلحاد وتبديل الدين والشرائع بل وكان كثير منهم يعلن أنه هو الله، وكانوا يعتقدون أن الحاكم هو الله، ومنهم من كان يقول: ما شئت أنت لا ما شاءت الأقدار *** فاحكـم فأنت الواحد القهار والعياذ بالله عز وجل، ثم جزاهم الله جل وعلا من جنس صنيعهم، فانتقم الله تعالى منهم وأزال دولتهم وأبادها، هذا مع ما كانوا يظهرونه من الكفر والضلال وإن كانوا مع ذلك على تواصل مع ما يسمى بالدولة الفاطمية التي تحالفوا معها حلفاً عظيماً وكانت هي دولتهم بعد ذلك حتى قضى الله جل وعلا عليهم وأبطل دولتهم وأذهب ريحهم وتلاشى أمرهم على يد السلطان البطل ناصر الدين الأيوبي – عليه رحمة الله تعالى - . وأما عن أميرهم سليمان بن الحسن – قبحه الله تعالى – فإنه هلك من جملة من هلك، وهذا يا أخي أمر لا يُشكل عليك فإن الله جل وعلا يجازي العباد بحكمته وعدله، فها هو فرعون يدعي أنه رب العالمين فيقول: (( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ))[النازعات:24]^ ويقول: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي))[القصص:38]^، والله جل وعلا يمهله ومع هذا فلا يفلته، ولذلك قال تعالى: (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ))[هود:102]^. وثبت عن النبي صلى أنه قال: (إن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم تلا هذه الآية الكريمة. وهذه حكمة الله جل وعلا في الظلمة الأشقياء، فإنه تارة يأخذهم ويعاجلهم بالعقوبة بحسب ما يرى الناس وتارة يؤخرهم إلى أجل مسمى ثم مردهم إلى الله جل وعلا فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وكل ذلك واقع في سنة الله جل وعلا وفي طريقته في أخذ الظالمين العتاة. ونسأل الله أن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يعز الإسلام وأهله وأن يجعلنا من عباد الله الصالحين، وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه. وبالله التوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق